فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين حكم الأم وأنها أحق بالرضاع، بين أنه يجوز العدول في هذا الباب عن الأم إلى غيرها ثم في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب الكشاف:
استرضع منقول من أرضع، يقال: أرضعت المرأة الصبي واسترضعها الصبي، فتعديه إلى مفعولين، كما تقول: أنجح الحاجة واستنجحته الحاجة والمعنى: أن تسترضعوا المراضع أولادكم، فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه، كما تقول: استنجحت الحاجة ولا تذكر من استنجحته، وكذلك حكم كل مفعولين لم يكن آخرهما عبارة عن الأول، وقال الواحدي: {أَن تَسْتَرْضِعُواْ أولادكم} أي لأولادكم وحذف اللام اجتزاءً بدلالة الاسترضاع، لأنه لا يكون إلا للأولاد، ولا يجوز دعوت زيدًا وأنت تريد لزيد، لأنه تلبيس هاهنا بخلاف ما قلنا في الاسترضاع، ونظير حذف اللام قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ} [المطففين: 3] أي كالوا لهم أو وزنوا لهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم} انتقال إلى حالة إرضاع الطفل غيرَ والدته إذا تعذر على الوالدة إرضاعه، لمرضها، أو تزوجها أو إن أبت ذلك حيث يجوز لها الإباء، كما تقدم في الآية السابقة، أي إن أردتم أن تطلبوا الإرضاع لأولادكم فلا إثم في ذلك.
والمخاطب بأردتم: الأبوان باعتبار تعدد الأبوين في الأمة وليس المخاطب خصوص الرجال، لقوله تعالى فيما سبق {والوالدات يرضعن أولادهن} فعلم السامع أن هذا الحكم خاص بحالة تراضي الأبوين على ذلك لعذر الأم، وبحالة فقد الأم.
وقد علم من قوله: {فلا جناح عليكم} أن حالة التراضي هي المقصودة أولًا، لأن نفي الجناح مؤذن بتوقعه، وإنما يتوقع ذلك إذا كانت الأم موجودة وأريد صرف الابن عنها إلى مرضع أخرى، لسبب مصطلح عليه، وهما لا يريدان ذلك إلاّ حيث يتحقق عدم الضر للابن، فلو علم ضر الولد لم يجز، وقد كانت العرب تسترضع لأولادها، لاسيما أهل الشرف. اهـ.
فروع مهمة:

.قال الفخر:

اعلم أنا قد بينا أن الأم أحق بالإرضاع، فأما إذا حصل مانع عن ذلك فقد يجوز العدول عنها إلى غيرها، منها ما إذا تزوجت آخر، فقيامها بحق ذلك الزوج يمنعها عن الرضاع، ومنها أنه إذا طلقها الزوج الأول فقد تكره الرضاع حتى يتزوج بها زوج آخر، ومنها أن تأتي المرأة قبول الولد إيذاء للزوج المطلق وإيحاشًا له، ومنها أن تمرض أو ينقطع لبنها، فعند أحد هذه الوجوه إذا وجدنا مرضعة أخرى وقبل الطفل لبنها جاز العدول عن الأم إلى غيرها، فأما إذا لم نجد مرضعة أخرى، أو وجدناها ولكن الطفل لا يقبل لبنها فههنا الإرضاع واجب على الأم. اهـ.
قال الفخر:
قرأ ابن كثير وحده {مَّا آتَيْتُم} مقصورة الألف، والباقون: {مَّا آتَيْتُم} ممدودة الألف، أما المد فتقديره: ما آتيتموه المرأة أي أردتم إيتاءه وأما القصر فتقديره: ما آتيتم به، فحذف المفعولان في الأول وحذف لفظة بِه في الثاني لحصول العلم بذلك، وروى شيبان عن عاصم {مَا أُوتِيتُمْ} أي ما آتاكم الله وأقدركم عليه من الأجرة، ونظيره قوله تعالى: {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} أي إذا سلمتم إلى المراضع أجورهن.
فالمراد بما آتيتم: الأجر، ومعنى آتى في الأصل دفع؛ لأنه معدى أتى بمعنى وصل، ولما كان أصل إذا أن يكون ظرفًا للمستقبل مضمنًا معنى الشرط، لم يلتئم أن يكون مع فعل {آتيتم} الماضي.
وتأول في الكشاف {آتيتم} بمعنى: أردتم إيتاءه، كقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] تبعًا لقوله: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم}، والمعنى: إذا سلمتم أجور المراضع بالمعروف، دون إجحاف ولا مطل.
وقرأ ابن كثير {أتيتم} بترك همزة التعدية.
فالمعنى عليه: إذا سلمتم ما جئتم، أي ما قصدتم، فالإتيان حينئذٍ مجاز عن القصد، كقوله تعالى: {إذ جاء ربه بقلب سليم} [الصافات: 84] وقال زهير:
وما كان من خير أَتوه فإنما ** توارثَه آباءُ آبائِهم قَبْلُ

.قال الفخر:

ليس التسليم شرطًا للجواز والصحة، وإنما هو ندب إلى الأولى والمقصود منه أن تسليم الأجرة إلى المرضعة يدًا بيد حتى تكون طيبة النفس راضية فيصير ذلك سببًا لصلاح حال الصبي. اهـ.

.قال ابن عرفة:

قرئ: {مَّا أُتِيتُمْ}.
قال ابن عرفة: وفي هذه القراءة تهييج على الأمر بالتّسليم لأن تسليم الإنسان ما لا يملك أهون عليه من تسليم ما يملك. ومعنى قوله: {مَّا آتَيْتُم} بالنّصب أن يعطي الأب الأم دينارا على الإرضاع ثم يريد أن يسترضع الولد عند الأجنبية فلا جناح {عليهما} إذا سلم الدّينار للأم ولم يسترجعه من عندها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {واتقوا الله} تذييل للتخويف، والحث على مراقبة ما شرع الله، من غير محاولة ولا مكابدة، وقوله: {واعلموا أن الله} تذكير لهم بذلك، وإلاّ فقد علموه. اهـ.

.قال ابن عرفة:

قوله تعالى: {واتقوا الله}.
إشارة إلى مراعاة حق الولد في ذلك لأنه لا يتكلم ولا يخبر بشيء.
قوله تعالى: {واعلموا أَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
ابن عرفة: الوصف ب {بصير} أشدّ في الوعيد والتخويف من الوصف ب {عليم} لأن الإنسان قد يتجرأ على مخالفة سيده الغائب عنه وإن علم أنه يعلم ولا يتجرأ على مخالفته إذا كان حاضرا يشاهده وينظر إليه. اهـ.

.قال الصابوني:

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}.
أحكام الرضاع:

.التحليل اللفظي:

{والوالدات} جمع والدة بالتاء، والوالد: الأب، والوالدة: الأم، وهما الوالدان كذا في اللسان، قال في البحر: وكان القياس أن يقال: والد، لكن قد أطلق على الأب والد فجاءت التاء في الوالدة للفرق بين المذكر والمؤنث من حيث الإطلاق اللغوي، وكأنه روعي في الإطلاق أنهما أصلان للولد فأطلق عليهما والدان.
{حَوْلَيْنِ} أي سنتين من حال الشيء إذا انقلب، فالحول منقلبٌ من الوقت الأول إلى الثاني.
قال الراغب: والحول السنة اعتبارًا بانقلابها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها.
{المولود لَهُ} أي الأب، لأن الأولاد ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات قال الشاعر:
فإنّما أمهاتُ الناسِ أوعيةٌ ** مستودَعاتٌ وللآباء أبناء

{فِصَالًا} فطامًا عن الرضاع، والفِصَال والفَصْلُ: الفطام، وإنما سمي الفطام بالفصال، لأن الولد ينفصل عن الاغتذاء بلبن أمه إلى غيره من الأقوات.
قال المبرّد: يقال: فصل الولد عن الأم فصلًا وفصالًا، والفصالُ أحسن، لأنه إذا انفصل عن أمه فقد انفصلت منه فبينهما فصال نحو القتال، والضراب ومنه سمي الفصيل لأنه مفصول عن أمه.
{وَتَشَاوُرٍ} التشاور في اللغة: استخراج الرأي ومثله المشاورة والمشورة مأخوذ من الشور وهو استخراج العسل.
قال الراغب: والتشاور والمشاورة والمشورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم: شِرتُ العسل إذا استخرجته من موضعه.
{تسترضعوا} أي تطلبوا الرضاع لأولادكم يقال: استرضع أي طلب الرضاع، مثل: استفتح طلب الفتح، واستنصر طلب النصر.
والمعنى: إذا أردتم أيها الآباء أن تسترضعوا المراضع لأولادكم أي تطلبوا لهم من يرضعهم فلا إثم عليكم ولا حرج.
{بالمعروف} أي بالوجه المتعارف المستحسن شرعًا الذي أمركم به الدين.
{بَصِيرٌ} أي مطلع على عمالكم، لا تخفى عليه خافية والمراد أنه مجازيكم عليها إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.

.المعنى الإجمالي:

أمر الله تعالى الوالدات {المطلّقات} بإرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين إذا شاء الوالدان إتمام الرضاعة، وأنّ على الولد كفاية المرضع التي تقوم بإرضاع ولده، والإنفاق عليها لتقوم بخدمته حق القيام، وتحفظه من عاديات الأيام، وأن يكون ذلك الإنفاق بحسب المعروف والقدرة والطاقة لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
ثم حذّر تعالى كلًا من الوالدين أن يضارّ أحدهما الآخر بسبب الولد، فلا يحل للأم أن تمتنع عن إرضاع الولد إضرارًا بأبيه، وأن تقول له مثلًا: اطلب له ظئرًا غيري، ولا يحل للأب أن ينزع الولد منها مع رغبتها في إرضاعه، ليغيظ أحدهما صاحبه بسبب الولد.
ثمّ بيّن تعالى أن الوالدين إذا أرادوا فطام ولدهما بعد التشاور والتراضي قبل تمام الحولين فلا إثم ولا حرج إذا رأيا استغناء الطفل عن لبن أمه بالغذاء، فإن هذا التحديد إنما هو لمصلحة الطفل ودفع الضرر عنه، والوالدان أدرى الناس بمصلحته وأشفقهم عليه وإن أردتم- أيها الآباء- أن تطلبوا مرضعة لولدكم غير الأم بسبب إبائها، أو عجزها أو إرادتها الزواج، فلا إثم عليكم في ذلك، بشرط أن تدفعوا إلى هذه المرضعة ما اتفقتم عليه من الأجر، ولا تبخسوها حقها، فإن المرضع إذا لم تكرم لا تهتم بالطفل ولا تُعنى بإرضاعه ولا بسائر شؤونه، فأحسنوا معاملتهن ليحسنّ أمور أولادكم، واتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن الله مطلّع عليكم لا تخفى عليه خافية من شؤونكم وأنه مجازيكم عليها يوم الدين {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19].

.وجوه القراءات:

1- قرأ الجمهور {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة} وقرأ مجاهد {أن تَتمّ الرضاعةُ} بالتاء وبرفع الرضاعة، وقرأ أبو رجاء وابن أبي عبلة {الرّضاعة} بكسر الراء. قال الزجاج {الرّضاعة} بفتح الراء وكسرها والفتح أكثر.
2- قرأ الجمهور {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {لا تضارّ} بالرفع على أن لا نافية.
3- قوله تعالى: {إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم} قرأ الجمهور {آتَيْتُم} بالمد، وقرأ ابن كثير {أتيتم} بالقصر.